عمالقة التكنولوجيا يسعون لإعادة استخدام محطات الطاقة القديمة لتلبية الطلب على مراكز البيانات
عمالقة التكنولوجيا يتجهون لإعادة استخدام محطات الطاقة القديمة لتلبية الطلب على مراكز البيانات
يدفع تزايد الطلب على الذكاء الاصطناعي الشركات التكنولوجية الكبرى إلى البحث عن حلول بديلة لتزويد مراكز بياناتها بالطاقة. تعتبر مراكز البيانات من البنى التحتية الأساسية التي تعتمد عليها العديد من الشركات الكبرى في تقديم خدماتها مثل جوجل، أمازون، ومايكروسوفت. وقد أصبح من الضروري أن تجد هذه الشركات حلولاً مستدامة لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة، وذلك بالنظر إلى النمو الكبير في استخدام الذكاء الاصطناعي وتوسيع استخدام التطبيقات المعتمدة على الحوسبة السحابية. وفي هذا السياق، تعمل العديد من الشركات على استكشاف مصادر طاقة بديلة وغير تقليدية لتغذية مراكز بياناتها، ومن بين هذه الحلول، يبرز استخدام محطات الطاقة القديمة.
تسعى مايكروسوفت، على وجه الخصوص، إلى استكشاف إمكانية استخدام الطاقة النووية والطاقة المتجددة لتلبية هذه الاحتياجات المتزايدة. ومع أن الطاقة النووية ليست الخيار الأكثر شيوعًا بين شركات التكنولوجيا، إلا أن مايكروسوفت ترى أنها خيار قابل للتطبيق لتأمين الطاقة النظيفة والمستدامة لمراكز البيانات في المستقبل. كما أن شركات أخرى مثل جوجل وأمازون تسعى بشكل نشط إلى البحث عن حلول للطاقة الخضراء لتلبية احتياجاتها الضخمة من الطاقة.
من ناحية أخرى، تتعامل هذه الشركات مع تحديات إضافية، تتجاوز تأمين مصادر طاقة خضراء بأسعار معقولة. فهنالك مشكلة أخرى تتعلق بتحديد المواقع المناسبة لمراكز البيانات الجديدة التي توفر البنية التحتية اللازمة، بما في ذلك الطاقة الكافية، الاتصال بالإنترنت، وسهولة الوصول إلى الموارد. مع امتلاء العديد من المواقع التقليدية، أصبح من الضروري البحث عن مواقع جديدة وغير تقليدية لبناء مراكز البيانات. هذه المواقع تتضمن إعادة استخدام المرافق الصناعية القديمة والمحطات الكهربائية المتوقفة عن العمل، وهو اتجاه بدأ يكتسب زخماً كبيرًا في الآونة الأخيرة.
إعادة استخدام محطات الطاقة القديمة يشمل تحويل مواقع كانت مخصصة لإنتاج الطاقة إلى مواقع مراكز بيانات عالية الكفاءة. وتعد محطات الطاقة القديمة، وخاصة تلك التي توقفت عن العمل، خيارات مثالية لتحويلها إلى مراكز بيانات، لأن العديد منها يحتوي بالفعل على بنية تحتية متطورة مثل شبكات نقل الطاقة التي يمكن إعادة استخدامها بسهولة، كما أنها غالبًا ما تقع بالقرب من مصادر مائية، مما يسهل تبريد الخوادم بكفاءة. كما أن هذه المواقع الصناعية عادة ما تكون مصممة لاستخدام عالي للطاقة، وهو ما يجعلها مثالية لاستضافة مراكز البيانات الضخمة التي تتطلب استهلاكًا عاليًا للطاقة.
ليست بدون مشاكل
على الرغم من أن تحويل محطات الطاقة القديمة إلى مراكز بيانات يبدو فكرة مثيرة، إلا أن هذه العملية ليست بدون تحديات. وفقًا لصحيفة Financial Times، نقلاً عن آدم كوكسون، رئيس معاملات الأراضي لمجموعة Cushman & Wakefield الاستشارية لمراكز البيانات في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، فإن “العديد من أسواق مراكز البيانات تعاني من ‘قيود شديدة عندما يتعلق الأمر بتوافر الأراضي والطاقة’، مما أدى بدوره إلى زيادة الاهتمام بالأسواق الأصغر والمواقع ‘الأكثر تعقيدًا’ مثل محطات الطاقة القديمة”.
وتشير كاميلا هودجسون، مؤلفة المقال في Financial Times، إلى أن “محطات الطاقة التي تعمل بالفحم يتم إيقاف تشغيلها في أجزاء من الولايات المتحدة وأوروبا، ولكنها قد تحتوي على ميزات يحتاجها حرم مركز البيانات. فالمواقع الصناعية عادة ما تكون مصممة لاستخدام عالي للطاقة، وقد تأتي مع بنية تحتية لنقل الطاقة وتقع بالقرب من مصدر مائي”. هذه الميزات تجعل محطات الطاقة القديمة نقطة جذب رئيسية لشركات التكنولوجيا التي تبحث عن حلول مبتكرة لتلبية احتياجات الطاقة الخاصة بها.
ومع ذلك، فإن تحويل هذه المواقع إلى مراكز بيانات يتطلب استثمارات ضخمة وجهودًا فنية هائلة. هناك حاجة إلى إعادة توصيل هذه المواقع بشبكة الطاقة وتحديث البنية التحتية لتلبية متطلبات مراكز البيانات الحديثة. كما أن بعض المحطات القديمة قد لا تكون مجهزة بأحدث التقنيات التي تضمن الكفاءة في استهلاك الطاقة أو القدرة على التعامل مع الأحمال الكبيرة من البيانات والعمليات الحسابية المتزايدة التي تتطلبها مراكز البيانات.
وبالرغم من هذه التحديات، يُنظر إلى إعادة استخدام المحطات القديمة كخيار أكثر جدوى من بناء مرافق جديدة تمامًا من الصفر. ويشير الخبراء إلى أن هذه المواقع توفر بيئة جاهزة للاستفادة منها، مما يوفر على الشركات الوقت والموارد اللازمة لبناء بنية تحتية جديدة. إلى جانب ذلك، توفر هذه المواقع أيضًا فرصًا لاستعادة المناطق الصناعية المتوقفة وإعادة استخدامها بطريقة مستدامة وفعالة، مما يعزز من استدامة المجتمع المحلي.
وفقًا للمقال، تخطط مايكروسوفت لتطوير مراكز بيانات في مواقع محطات الطاقة المتوقفة في إجبورو وسكيلتون غرانج بالقرب من ليدز، إنجلترا، ومن المتوقع أن يبدأ البناء في إجبورو في عام 2027. تعتبر هذه المشاريع خطوة هامة نحو تطوير مراكز بيانات أكثر استدامة وفعالية في استهلاك الطاقة. كما تخطط أمازون لمشروع مماثل في موقع محطة بيرشووود القديمة للطاقة في فرجينيا، الولايات المتحدة، مما يوضح أن هذه الفكرة أصبحت شائعة بشكل متزايد بين عمالقة التكنولوجيا.
تحديات مستقبلية وحلول مبتكرة
إن الاتجاه نحو استخدام المحطات القديمة لتلبية احتياجات مراكز البيانات يمثل بداية لتوجه جديد في صناعة التكنولوجيا. لكن هذا التوجه لا يخلو من التحديات. فعلى سبيل المثال، تحتاج هذه المواقع إلى تحديثات كبيرة من حيث البنية التحتية، وخاصة فيما يتعلق بتوفير الاتصال عالي السرعة ومصادر الطاقة المستدامة. كما أن هناك الحاجة إلى تقنيات تبريد متطورة لضمان أن مراكز البيانات تظل تعمل بكفاءة عالية دون استهلاك طاقة مفرطة.
إضافة إلى ذلك، يتطلب هذا التحول إعادة التفكير في كيفية إدارة وإعادة استخدام النفايات الحرارية الناتجة عن مراكز البيانات. فعملية تبريد الخوادم هي أحد الجوانب الأكثر استهلاكًا للطاقة في مراكز البيانات، وقد تكون إعادة استخدام الحرارة الناتجة عن هذه المراكز في المرافق الصناعية أو المجتمعية خطوة مهمة نحو تعزيز الاستدامة. ويمكن أن يشمل ذلك استخدام الطاقة الحرارية الناتجة لتوليد الكهرباء أو لتوفير تدفئة للمنازل والمرافق الصناعية المجاورة.
في الختام، فإن استخدام محطات الطاقة القديمة كمراكز بيانات هو حل مبتكر ومؤثر في عالم مراكز البيانات. ومع تزايد الضغط على الشركات لتقديم حلول أكثر استدامة، فإن إعادة استخدام هذه المواقع يمكن أن توفر بديلاً جذابًا عن بناء مرافق جديدة، بينما تساهم في تقليل التأثير البيئي وتحقيق كفاءة أعلى في استخدام الموارد. وعلى الرغم من التحديات، فإن المستقبل يبدو واعدًا لهذه الحلول المبتكرة التي يمكن أن تغير شكل صناعة مراكز البيانات في السنوات القادمة.
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.